في السنوات الأولى من حياة الطفل، لا يقتصر نمو الطفل على جسمه فقط، فإدراكه يزداد كل يوم عن اليوم الذي يسبقه، فمثلًا يستوعب اللغة التي يتحدث بها المحيطون به ويخزن مفرداتها في دماغه ليستعملها عند الحاجة.
إلا أن بعض الآباء قد يلاحظ تأخر هذه التطورات لدى طفله المصاب بالصرع، ويربط بين ذلك وبين مرض الصرع الذي يعانيه الطفل، ومن هذا المنطلق يتساءلون هل الصرع يؤثر على العقل؟
مهام العقل وأدواره
يُسهم المخ بأدوار عديدة لا تقتصر فقط على إفراز الهرمونات والتحكم في العمليات الحيوية التي تحدث داخل الجسم، وإنما تمتد إلى الأدوار التي يلعبها الفرد في الحياة.
نستعمل المخ -أو كما يسميه البعض العقل- في التفاعل مع الآخرين وتذكر الأمور والمواقف التي حدثت من قبل، وإدراك وتعلم المفاهيم والمصطلحات الجديدة ووظائف أخرى ضرورية لسير الحياة، مثل:
- التركيز.
- التفكير.
- الإبداع والتخيل.
- تخزين المعلومات.
- النسيان.
وتتوزع تلك المهام على فصوص المخ، فعلى سبيل المثال يحفظ الفص الصدغي المعلومات السمعية ويُسهم في الإدراك والتعلم، بينما يساعد الفص الأمامي على الحركة وتشكيل تعبيرات الوجه إلى جانب تعزيز المهارات المعرفية مثل التخطيط والتنظيم، وبعض الوظائف الأخرى.
يحتاج الطفل -دونًا عن باقي الفئات العمرية- إلى هذه المهارات حتى يتعامل مع الآخرين ويتعلم ويستطيع الاعتماد على نفسه والانفصال عن والديه، ولكن توجد بعض الأمور قد تتسبب في تأخر الطفل ذهنيًا، من بينها مرض الصرع.
للحجز والاستعلام في مركز الدكتور باهر مدحت
هل الصرع يؤثر على العقل؟
قبل أن نجيب عن السؤال الذي يدور في ذهن الآباء دائمًا: “هل الصرع يؤثر على العقل؟” دعنا نتعرف على لمحة بسيطة عن مرض الصرع.
ما هو الصرع؟
الصرع مرض يصيب الجهاز العصبي المركزي للجسم ويتسبب بنشاط كهربي غير طبيعي يؤدي إلى غياب الوعي، وحدوث تشنجات عضلية غير إرادية، وأعراض أخرى يمكنك الاطلاع عليها في مقال أعراض التشنج العصبي عند الأطفال.
وتتعدد أنواع الصرع التي تصيب الأطفال تبعًا لموضع بداية النشاط الكهربي وكيفية حدوثه، ويمكن حصر تلك الأنواع في المجموعتين التاليتين:
- الصرع البؤري (Focal seizures)، ويصيب هذا النوع فصًا واحدًا من فصوص المخ، وعادة ما يكون الفص الصدغي أو الفص الجبهي.
- الصرع العام (Generalized seizures)، ويصيب هذا النوع جميع فصوص المخ.
ووفقًا لنوع الصرع يختلف تأثيره في العقل، فعادةً لا يؤثر الصرع المعمم في الوظائف المعرفية للطفل، مثل التفكير، ولكن الصرع البؤري يؤثر فيها. وبعد التعرف على ماهية الصرع، دعونا نعود للإجابة عن سؤال “هل الصرع يؤثر على العقل؟”، ففي الحقيقة يؤثر ذلك المرض على مختلف وظائف العقل، وإليك التفاصيل خلال السطور القادمة.
تأثير مرض الصرع على الذاكرة
في أثناء توضيحنا لأنواع الصرع، ذكرنا أن الصرع البؤري يحدث عادة في الفص الصدغي، ويحتوي هذا الفص على جسم صغير يُسمى الحُصين (hippocampus)، يشبه دوره -إلى حد كبير- دور أمين المكتبة، حيث يستقبل المعلومات ويخزنها لفترة قصيرة -فيما يُعرف باسم الذاكرة قصيرة المدى-، ثم ينقل المهم منها إلى مكان الذاكرة طويلة المدى.
إذن فالجزء المسؤول عن الذاكرة هو الحصين، لكنه ليس الوحيد فهناك -أيضًا- اللوزة، والتي تُعَد مركزًا لتخزين العواطف والمشاعر التي يمر بها الفرد، مثل الخوف والغضب.
عندما يصيب الصرع الفص الصدغي، تتغير بنية الحُصين ويتقلص حجمه ما يؤدي إلى تشتت المعلومات المخزنة داخله وصعوبة تذكرها عند الحاجة، بالتالي قد يتعلم الطفل أمرًا ما مرارًا ثم ينساه عند الحاجة إليه، ويكثر ذلك في الذكريات التي تحدث قبل النوبة فالدماغ لا يخزنها جيدًا.
تأثير مرض الصرع في التعلم
يعود الفضل في قدرتنا على تعلم اللغة إلى منطقتين أساسيتين، هما:
منطقة بروكا (Broca’s area)
توجد داخل الفص الجبهي، وتُعد مسؤولة عن تنفيذ عملية الكلام عبر تكوين الكلمات والجمل وترتيبها وربطها بحروف الجر، بالإضافة إلى التحكم في حركة الجسم وعضلات الوجه والفك واللسان والحنجرة.
عندما يصيب الصرع تلك المنطقة، نجد الطفل عاجزًا عن تسمية الأشياء بأسمائها، فمثلًا يرى كتابًا ويدرك أنه “كتاب”، لكنه لا يعرف كلمة “كتاب”، وبناءًا عليه لا يستطيع نطقها.
منطقة فيرنيك (Wernicke’s area)
توجد في الجزء الخلفي للفص الصدغي، وتُعد مسؤولة حسيًا عن استيعاب اللغة، بمعنى أنها تتعامل مع الكلام الوارد للفرد، على عكس منطقة بروكا التي تتعامل مع الكلام الصادر.
عندما يصيب الصرع تلك المنطقة لا يجد الطفل صعوبة في الحديث، وإنما في فهم اللغة، بالتالي نجده يتحدث جيدًا ولكن كلماته تكون بلا معنى.
هل الصرع يؤثر على العقل بصورة دائمة؟
تؤثر نوبات الصرع في العقل، وحتى وإن قصرت مدتها، ولذلك ينبغي للآباء الحرص على عرض أطفالهم على أطباء جراحة المخ والأعصاب المختصين لتلقي العلاج المناسب، فعندما تهدأ النوبات وينقص عددها، ينخفض تأثير مرض الصرع في مراكز المخ ويستعيد الطفل حياته الطبيعية رويدًا.
أهم النقاط التي وردت في المقالة
تلخيصًا للمقالة، فلقد أجبنا عن سؤال: “هل الصرع يؤثر على العقل؟” وذكرنا الآتي:
- اختلاف تأثير مرض الصرع في العقل حسب نوعه.
- الصعوبة التي يواجهها الطفل المصاب بالصرع في تذكّر أسماء الأشياء والمعلومات.
- عدم قدرة الطفل المصاب بالصرع على تسمية الأشياء بأسمائها رغم إدراكه لماهيتها أو الحديث مطولًا بكلام لا معنى له.
- تحسّن الحالة المعرفية للطفل بعد تلقيه العلاج المناسب.
إلى هنا تنتهي مقالتنا، آملين أن نكون قد وضحنا لكم جيدًا أحد التأثيرات السلبية لمرض الصرع، وأهمية تلقي العلاج المناسب له لئلا تزداد النوبات ويتضرر طفلكم كثيرًا. دمتم في أمان الله.
عزيزي القارئ للمزيد ننصحكم بالاطلاع علي : افضل الطرق فى علاج التشنجات والصرع
0 تعليق